إن المشكلة الراهنة التي يعاني منها المجتمع المعاصر ترجع في الكثير من جوانبها إلى تفشي الأمية الدينية بين قطاعات كثيرة في المجتمع وليس السبب في ذلك راجعاً إلى الخطاب الديني بالمفهوم الشائع على ألسنة النخبة، فهناك قطاعات كثيرة لها دورها الهام في تأسيس البنية الثقافية للإنسان المعاصر، إن سلباً وإن إيجاباً فهناك وزارة الثقافة، وزارة الإعلام، مناهج التعليم الأساسي. وكلها ذات تأثير كبير في علاج هذه المشكلة وليس من الإنصاف أن يتحمل الخطاب الديني وحده وزر هذه المشكلة.
أولاً: أن مناهج دراسة علوم العقيدة (علم الكلام) في الأزهر يحتاج إلى إعادة نظر في المنهج وفي القضايا.
أما في المنهج فمن الأفضل أن تعاد قراءة علم الكلام باعتباره تاريخ للخلاف بين الفروق وليس علم تأسيس العقيدة وهذا يحتاج إلى أن يقرأ علم الكلام قراءة مقاصدية تصالحية وليس قراءة إثارة الخلافات المذهبية بين الشباب من جديد. وهذا يقتضي من المسئولين البحث عن نقاط الاتفاق بين الفرق وهي كثيرة والعمل على تنميتها وتقويتها والتخلي عن قضايا الخلاف وهي في معظمها خلافات لفظية وشكلية لا تمس أصول العقيدة.
ولكن إثارتها بين الشباب كان أساس التعصب والتطرف والغلو في الأحكام (وهذا يحتاج إلى تفصيل يعلمه أهل الاختصاص).
ثانياً: التركيز على تجلية مقاصد المتكلمين وهي كلها مقاصد نبيلة وشرعية لكن تختلف الوسائل من فرقة إلى أخرى. والخلاف في الوسائل لا يجب أن ينسحب على المقاصد، لأن في ذلك خطراً كبيراً في الحكم على مقاصد العلماء والوقوع في خلط الوسائل بالمقاصد كان سبباً في تبادل الاتهامات بالكفر والفسق بين الفرق ومعظم مؤلفات علم الكلام وقعت في هذا الخلط بين المقاصد والوسائل وانسحب الحكم بالفساد على الوسائل إلى الحكم على المقاصد … وهذا ما نجنيه الآن من تبادل الرمي بالتعصب والتطرف والتكفير بين الشباب.
ثالثاً: يجب الربط بين دراسة العقيدة (المسائل) وأثر الإيمان بها في القلوب وسلوك الأفراد حتى تربط بين الإيمان والعمل. ولا تكون العقيدة مجرد كلام نظري يتردد على الألسنة ولا أثر له في السلوك والحياة العملية. وقد برز في هذا المجال كبار الصوفية الذين ربطوا بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب .. حتى تكون العقيدة محركة لصاحبها نحو السلوك الأخلاقي في بناء المجتمع وفي علاقته بالآخرين.
رابعاً: الاهتمام بالربط في منهج دراسة العقيدة بالعلم الكوني لأن العلوم الكونية هي مجال البحث العقلي، وليس عالم الغيبيات، وهذا مقصد قرآني يتأسس عليه أمران مهمان جداً في مخاطبة شباب العصر.
الأمر الأول : التأسيس لمنهج علمي في دراسة العقيدة يعتمد على النظر العقلي في عالم الشهادة باعتباره آيات الله وتجليات لصفاته وأسمائه ومنها وفيها يتأسس البرهان العلمي على وجود الله وعلى صفاته وأسمائه (وهذا أمر في غاية الأهمية) .
أما الأمر الثاني: فهو التأصيل الشرعي لهذه العلوم الكونية (الفيزياء والكيمياء والفلك والطب وعالم النبات والحشرات … إلخ لأنها كلها آيات تتجلى بها وفيها صفات الله ومصدر خشيته (اقرأ القرآن المكي).
خامساً : أن تدرس مادة العقيدة نقية صافية بمنطقها القرآني الفطري بعيدة عن التمذهب الكلامي المثير للخلاف والجدل الذي يتولد عنه التعصب والتطرف وإقصاء الآخر المخالف.
سادساً: أهمية تدريس مادة الثقافة الإسلامية في الجامعات المصرية فمن غير المعقول أن يتخرج الطلاب جيلاً بعد جيل لا يعلمون شيئاً عن أصول العقيدة فيسمعون من غير المتخصصين آراءً وأقوالاً غير صحيحة يتولد عنها التطرف والتعصب ثم نطالبهم بالولاء لهذا الدين الذي لا يعرفون عن أصوله ولا فروعه شيئاً يعملون ويسيرون في هديه.
سابعاً: إن مكونات الثقافة الدينية يجب أن تعمل بمنهج تكاملي وليس تعارضياً، ولا يصح أن تتخصص دائرة منها في هدم ما تبنيه الأخرى، وللأسف الشديد فإن دوائر البناء الثقافي للشباب يعمل أكثرها في هدم ما تقوم به الدوائر الأخرى والشواهد على ذلك كثيرة ولا يخفى على أحد ما يغيب عن هذه القنوات من آداب الخلاف وحسن الحوار مع الآخر.
ثامناً: أهمية الدورات التدريبية في تنمية معارف الدعاة بعلوم العصر ومتطلبات الخطاب الديني المعاصر والاستعانة في ذلك بالعلماء الذين يجمعون في معارفهم بين الأصالة والمعاصرة حتى يعيش الداعية مشكلات العصر وقضاياه ولا ينقطع عن عصره.
تاسعاً: ليس كل من يعتلي المنبر يكون مؤهلاً (نفسياً وعلمياً) لمخاطبة الناس لأن الدعوة رسالة قبل أن تكون وظيفة، ومن هنا تأتي أهمية التأهل العلمي والتربوي والرغبة الصادقة في ممارسة الدعوى، كما أن من حقه على الدولة أن ترعاه مادياً واجتماعياً.
عاشراً: الإفادة من عطاء العلم الحديث في مخاطبة الشباب وكل حقيقة علمية هي رفد قوي للدين وبرهان عقلي على قضاياه (كل في مجاله) ولذلك فمن المهم لدارس العقيدة أن يتعرف منهجياً على فلسفة العلم كمقصد شرعي نبه إليه الشارع في قوله تعالى: ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (سورة فاطر: 28)
ويا حبذا لو كان هذا العلم مقرراً في الدراسات العليا واستشارة أهل الاختصاص في مفرداته.
والله أعلم ،،،،
أ.د. محمد السيد الجليند

السيرة الذاتية

سيرتنا الذاتية حافلة بالأعمال فى مجالات عقيدة و التى نفتخر بها على مر الزمان

المزيد

الاهداف والمقاصد وفلسفه الحياه

للحياة أهداف و مقاصد سامية, يجب الإنتباه إليها و العمل بها

المزيد

المقالات

الصهيونية العالمية .. وراء أزمات المنطقة العربية

المزيد

صفحات من ذكريات رائد الفلسفة الإسلامية

المزيد

شخصية الشهر

المزيد

تحقيق السلام الاجتماعي بين مقاصد الوحي وأهداف السياسيين

المزيد

معرض الفيديو

المزيد

الصوتيات

محاضرات عن الغزو الفكري ج 10

استماع

محاضرات عن الغزو الفكري ج 9

استماع

محاضرات عن الغزو الفكري ج 8

استماع

محاضرات عن الغزو الفكري ج 7

استماع

معرض الصور

المزيد